
لا شك أن السلطات الأمنية والقضائية في بلادنا قطعت أشواطًا كبيرة في ترسيخ مبدأ دولة القانون، ووفّرت بيئة قانونية أكثر انفتاحًا على المحاسبة والشفافية. ونثمن الجهود المتزايدة التي يبذلها القضاء في معالجة ملفات حساسة، وفتح الباب أمام مساءلة من كان بالأمس في دائرة الحصانة أو فوق الشبهات.
وفي هذا السياق، نُحيي التحرك السريع في توقيف عدد من المتورطين في سرقة أغطية المجاري ومقاعد الطرق العامة، ونشر صورهم في وسائل الإعلام، ما شكّل رسالة قوية في وجه من يعبث بالبنية التحتية ويهدد السلامة العامة.
لكن، ومن باب الحرص على العدالة، يتعين التساؤل: لماذا لم نرَ نفس الصرامة والشفافية في ملفات لا تقل خطورة، بل تفوقها أثرًا ودمارًا؟
أين صور وبيانات من تم توقيفهم بتهم ترويج الحبوب المهلوسة؟
أين تفاصيل ملفات الأدوية الفاسدة، التي تُباع في الأسواق وتفتك بأرواح البسطاء؟
نثق بأن القضاء لا يساوم في حفظ الحق العام، وأنه ماضٍ في ترسيخ العدالة، لكن الشفافية في التعامل مع مختلف القضايا، دون تمييز أو انتقائية، هي ما يعزز هذه الثقة، ويكمل مسار الإصلاح.
العدالة لا ينبغي أن تكون استعراضية، ولا أن تُطبق على من “لا ظهر له” فقط.
فكما أن سرقة غطاء مجاري تُعدّ جريمة تستحق العقوبة، فإن نشر السموم وبيع الأدوية المغشوشة جرائم أخطر تهدد مستقبل الوطن.
نُجدّد الدعوة لتوحيد المعايير في تطبيق القانون، ولرفع الغطاء عن كل من يظن أن النفوذ يحميه من المحاسبة.
فمن أمن العقوبة أساء التصرف، ومن حُصّن من المحاسبة ضاع العدل على يديه.