إدومو ولد حبيب: صلة الوصل بين الوطن وجاليته في مالي

في فضاء العلاقات الدولية غير الرسمية، حيث تمتزج الدبلوماسية الشعبية بالتفاني الوطني، يسطع اسم إدومو ولد حبيب كرئيس للجالية الموريتانية في مالي، رجل جمع بين الحنكة والمسؤولية، وبين العمق الاجتماعي والحس الوطني، فكان بحق جسراً متيناً بين الدولة الموريتانية ومواطنيها في الجوار المالي، ومعبراً آمناً لمصالحهم، ووجهاً مشرقاً يُمثّل موريتانيا في بيئة متحركة وحساسة.
لا يمكن الحديث عن الجالية الموريتانية في مالي دون أن يُذكر اسمه مقرونًا بالكفاءة والثقة. فالرجل لا يمثل فقط الجالية كمجموعة سكانية مهاجرة، بل يُجسد وعيها، وصوتها، وحامل همومها اليومية والمعقدة على حدّ سواء. لقد تبوّأ هذا الدور من موقع متقدم، حيث عمل لسنوات طويلة على بناء علاقة ثقة متينة مع السلطات المالية، ومع مختلف المؤسسات الموريتانية، دبلوماسية كانت أو أمنية أو إدارية. هذه العلاقات لم تكن شكلية أو بروتوكولية، بل أثمرت نتائج ملموسة أنقذت العديد من الأرواح، وفتحت الأبواب المغلقة أمام مئات من أبناء الجالية في لحظات الأزمات والحاجة.
ولم تكن تجربة إدومو ولد حبيب مجرد تمثيل شرفي للجالية، بل خاض غمار أزمات حقيقية، واختبرته الأحداث أكثر من مرة، وكان فيها كما يُنتظر من قائد يتحمل المسؤولية. ولعل أبرز هذه المحطات ما شهده عام 2023، حين طفت إلى السطح قضية مالية شائكة تتعلق بتحويل أموال عبر صرافة يملكها. ورغم الاتهامات الأولية، فإن الرجل لم يختبئ أو يتهرّب، بل سلّم الوثائق والمعلومات بنفسه للسلطات المختصة، وأسهم في تتبع الجناة الحقيقيين الذين استغلوا القنوات الشرعية لإخفاء أنشطتهم. اعتُقل ولد حبيب أيامًا معدودة، لكنه خرج منها مرفوع الرأس، ومعززًا بثقة الجالية التي لم تتخلَّ عنه لحظة، بل اعتبرت أنه ضحية لموقف مالي تقني غامض، لا علاقة له بنزاهته أو سمعته التي لطالما كانت محل إشادة.
بل إن الحكومة الموريتانية نفسها، بتدخلات بعثتها الدبلوماسية في باماكو، كانت تتابع القضية عن كثب، ما يعكس المكانة التي يتمتع بها الرجل على مستوى الدولة، واحترامها لأدواره كهمزة وصل موثوقة مع مئات من مواطنيها في العمق المالي. وبالتوازي مع ذلك، استمر ولد حبيب في أداء مهامه حتى بعد المحنة، دون أن تثنيه تلك العاصفة المؤقتة عن مواصلة أداء رسالته الاجتماعية والوطنية.
وفي زمن تتسارع فيه التحديات الأمنية بالمنطقة، خاصة في ظل الأوضاع الهشة على الحدود بين موريتانيا ومالي، كان إدومو ولد حبيب الصوت الحكيم الذي يدعو للتهدئة والحذر. ففي أبريل 2024، أطلق نداءً حثّ فيه أفراد الجالية على الابتعاد عن المناطق الحدودية التي قد تشهد عمليات عسكرية، داعيًا الجميع إلى الالتزام بالتوجيهات الرسمية والحرص على سلامتهم. لم يكن تصريحه مجرد بيان إعلامي، بل فعل وطني مسؤول، يعبّر عن نضج سياسي وإدراك للواقع الأمني المعقد.
وتبع ذلك إصدار مكتب الجالية، برئاسته، بيانًا متكاملًا وضع فيه النقاط على الحروف: تنبيه للجالية، احترام للسلطات، دعوة لنبذ الخطابات التحريضية، وإشادة بالتنسيق القائم بين نواكشوط وباماكو. تلك الوثيقة لم تكن مجرد بيان، بل تجلٍّ لمدى حضور ولد حبيب كرجل توازنات، يحسن اختيار المفردة، ويعرف متى يصمت ومتى يتكلم.
أما على المستوى الاجتماعي، فلم يكن بعيدًا عن نبض الجالية. ففي كل مناسبة وطنية، كان حريصًا على تنظيم احتفالات تليق بتاريخ الدولة الموريتانية، وتربط الأبناء المغتربين بجذورهم وهويتهم. ففي أبريل 2022، شهدت العاصمة المالية احتفالًا بهيجًا بعيد الاستقلال الموريتاني، نظمته الجالية برئاسة ولد حبيب، بحضور رسمي وازن، في مشهد دلّ على الاحترام الذي يحظى به مكتب الجالية، وتحديدًا شخصه الكريم.
يُجمع العارفون بالشأن العام في مالي، من مواطنين ومسؤولين وسفراء، على أن إدومو ولد حبيب يملك نفوذًا من نوع خاص، قوامه العلاقات الممتدة، والكلمة المسموعة، والأداء المتوازن. فهو لم يبنِ مكانته على الظهور الإعلامي أو الخطاب الصدامي، بل من خلال الأفعال: إنجاز معاملة إدارية، تسهيل نقل جثمان، حلّ نزاع عائلي، المساهمة في علاج مريض، التنبيه في وقت الخطر، ورفع صوت المهمشين في دهاليز الدبلوماسية.
نفوذه امتد ليكون عامل تلطيف للعلاقات بين موريتانيا ومالي، خاصة حين تتوتر أجواء الجوار، أو تظهر حملات موجهة على المنصات. في مثل هذه اللحظات، يكون صوت ولد حبيب صوت الحكمة، ولغته لغة الأخوّة الإسلامية، وموقفه موقف المسؤول الحريص على تجنيب البلدين أي انزلاق في سوء الفهم.
هو رجل لا يدّعي بطولة، لكنه مارسها. ولا يُطالب بالتكريم، لكنه يستحقه. لأنه من النادر أن يجمع إنسان بين القرب من الجالية، والثقة من الدولة، والاحترام من الجيران.
إن ما يقدمه إدومو ولد حبيب ليس مجرد واجب وظيفي، بل رسالة حياة، ومسؤولية وطنية. لقد أثبت أن رئيس الجالية يمكن أن يكون أكثر من مجرد مندوب للمصالح: يمكن أن يكون ضميرًا حيًا، وحارسًا على الكرامة، وواجهةً مشرفة لبلده في الخارج. ومن هنا، فإن إنصاف هذا الرجل، والاعتراف بأدواره، وتوثيقها، والاقتداء بها، ليس فقط وفاءً له، بل دعمًا لثقافة التمثيل الجيد، ودرسًا في القيادة الهادئة التي تصنع الفرق دون صخب.