الجنرال عبد الرحمن ميدو.. قائد من رمال الشمال وضمير الدولة بقلم الكاتب
بقلم الكاتب الصحفي: احمد محمد المختار عبد الله

الجنرال عبد الرحمن ميدو.. قائد من رمال الشمال وضمير الدولة
—
🌟 من بطون الرمال إلى مرافئ القيادة
في الشمال المالي المترامي، حيث تتوالد القوافل وتنتصب السرابيل الرملية كأنها أسوار أسطورة، وُلد رجل استثنائي، لم تكن طفولته مدججة بالدعة، بل صقلته الصحراء، وألهمته الصلابة واليقين. ذلك هو الجنرال عبد الرحمن ميدو، أحد أنبل رجال الجمهورية، وأوفى الضباط العسكريين الذين صدحوا بولائهم لمالي فوق ضجيج الانقسامات.
لم يكن انتماؤه القبلي سوى رافد قوة، جمع بين عراقة المكون العربي الأزوادي، وانتماء لا يلين لتراب الوطن. تدرّج في مدارج المسؤولية العسكرية بكفاءة نادرة، حتى بلغ رتبة جنرال، وهو شرف قلّ أن يحوزه أبناء الشمال. لكنه لم يكن أسير الرتبة، بل مؤمنًا بأن الشرف في أداء الواجب لا في النياشين.
—
🛡️ والي تودني: رجل الدولة حين تعجز الحكومات
في يونيو 2017، صدر القرار بتعيينه والياً عسكريًا لولاية تودني، وهي واحدة من أعقد مناطق مالي: جغرافية صعبة، تهديدات أمنية متكررة، حضور للجماعات المتطرفة، وغياب مزمن للدولة. إلا أن الجنرال ميدو لم يتراجع، بل جعل من هذا التحدي منصة لصناعة الإنجاز.
بدأ أولًا بفرض الأمن دون عسف، أعاد انتشار قوات الجيش بشكل مدروس، فتح الطرق، ونظّم العمل الإداري وفق معايير الكفاءة والانضباط. ثم انطلق إلى التنمية، فافتتح مدارس، وأشرف على توصيل المياه الصالحة للشرب، وأعاد الحياة إلى مطار تودني، ليقول بصوت واضح: الحضور لا يكون بالبندقية فقط، بل بالخدمات أيضًا.
لقد نجا من محاولة اغتيال آثمة في 2015، أصيب بثلاث رصاصات لكنه عاد أكثر تصميمًا. هذه الحادثة، بدل أن تكسره، عمّدته في عيون زملائه ورجاله، كرمز للثبات والوفاء.
—
🧭 مسيرة رجل.. وضمير مرحلة
ليس عبد الرحمن ميدو قائدًا عسكريًا فحسب، بل ضمير سياسي متزن، وفقيه في تركيبة المجتمع، حافظ على المسافة المتزنة بين شدة الدولة وحق الجماعات المحلية. وحين ارتفعت أصوات الانفصال، كان موقفه وطنيًا لا يعرف التردد، لكنه بالمقابل دافع عن كرامة مكوّنه، وعن ضرورة إشراكهم في القرار، لا إقصائهم.
هو من رجالات المرحلة الذين يعيدون تعريف صورة الدولة في الشمال، ليس على أنها مركز مفروض من العاصمة، بل شراكة عادلة من صميم الأرض.
في وقتٍ تغيب فيه الرموز الوطنية الجامعة، يبرز الجنرال ميدو كوجه توافقي، مقبول لدى القبائل، محترم من العسكر، ومحلّ تقدير حتى من خصومه السياسيين.
في سجل الوطنية الماليّة، تبقى الأسماء الحقيقية محفورة لا على الرخام، بل في ذاكرة الشعوب. والجنرال عبد الرحمن ميدو واحد من هؤلاء. رجل كتب تاريخه بعرق الجبين، وصبر الميادين، وشجاعة القرار. واليوم، مالي أحوج ما تكون إلى رجال من طينته: أقوياء في المبدأ، متجذرون في الأرض، صادقون في البناء.